نظمت جمعية مدرسي اللغة العربية، بتنسيق مع مفتشية اللغة العربية بالمديرية الإقليمية سيدي يومه السبت 13 يناير 2018، ابتداء من الساعة 17.30، لقاء ثقافيا وعلميا حول مؤلفات علي أفيلال، وقد أطر اللقاء الباحث سالم الفائدة الذي أشار في البداية قبل أن يترك الكلمة للمتدخلين ّإلى أهمية هذه اللقاءات التي تنظمها الجمعية والتي تسعى إلى تناول الإبداع الأدبي بعين نقدية تروم الموضوعية والعلمية في التناول، كما قدم الباحث علي أفيلال من خلال مؤلفاته الروائية والقصصية التي بلغ عددها أربعة وعشرون مؤلفا.
تناول الباحث حميد لغشاوي الكلمة في البداية ليقدم ورقته التي عنونها ب"آليات التخييل في الرواية المهاجرة" وحاول من خلالها إبراز أهمية الرواية المهاجرة في الحقل الأدبي العربي، مستحضرا بعض الروايات التي جعلت الثقافة الغربية ترياقا ناجعا لمقارعة الحضارة العربية وبعض الثقافات البدائية كرواية"موسم الهجرة" ، ثم مجموعة من التساؤلات تتصل أساسا بالمتخيل الاجتماعي وطرائق اشتغاله، بحثا عن هجرة جمالية يمكن أن توظفها رواية "نساء في الطريق" لعلي أفيلال، إلا أنها ظلت رهينة أحداث بسيطة مرتبطة بالغربة والاغتراب، لشخصيات تميل إلى الشعور بأنها منبوذة ومطرودة وفارغة إيديولوجيا، [ربما يكون ذلك غاية أرادها الكاتب] فالمشاهد في الرواية ركزت على الماديات والأشياء، دون التفصيل في الانطباعات والماهيات الجوهرية "للمزاج" الشخصي للإنسان المهاجر . مؤكدا أن صفة الشفافية والعلاقات الاجتماعية البسيطة حالت دون هندسة بناء سردي محكم يخلق الإثارة والتشويق، والشفافية لا تعني فقط الكشف والإفصاح، [كما الحال في رواية " نساء في الطريق"] ولكن أيضا، المخاتلة والتلغيز والاستعراء، وحالة وعي يقيم الأفكار والهواجس الإنسانية تجاه الوجود الغريب. فروح الرواية هي روح التعقيد. [بلسان ميلان كونديرا]، وصفة الشفافية التي تهمين على الرواية، وثوب الوصف الاستعاري المبالغ فيه، عطل الفعل السردي وجعله بطيئا. وخلق حالة من حالات "التشنج" في القراءة، بتعبير إيكو. لينتهي إلا أن الرواية تفتقد إلى براديغم الصراع [بين الغرب والشرق]، ذلك القران المستفز، الذي تعودناه في الروايات "المهاجرة.
وقدم المداخلة الثانية الباحث إبراهيم أزوغ الذي تناول من خلالها روايتين لعلي أفيلال رواية "اعترافات امرأة" "ورقصات الدمع"، وقد عبر الباحث في بداية مداخلته عما يستشعره من قلق اتجاه ما صارت تعرفه الكتابة الإبداعية في المغرب من تردي بسبب استسهال بعض الكتاب لها، الناجم عن عدم تميزهم بين الإبداع وغيره من أشكال الكتابة التقريرية، وقلة مقروئية المبدع أو انعدامها الذي ينعكس بارزا على ما يكتبه، وغياب المعرفة بالخصائص الفنية للأجناس الإبداعية وتقنياتها.
ضمن هذا الإطار قدم الباحث قراءة للروايتين أكد في البداية أنهما رواية واحدة؛ لاشتراكهما معا في الكثير من المحددات التي حددها في: كون الروايتين معا حكاية أنثى تقع بين عذابات تجربة الحب وقيود الأسرة، والفضاء المزدوج لهما الدار البيضاء وباريس، أما الحدث الرئيس فقد لخصه الباحث في انتقال الشخصية البطلة أو الرئيسية من الدار البيضاء إلى باريس، وأشار الباحث إلى التقارب والتشابه بين الروايتين كذلك على مستوى الأحداث الجزئية والعبارات اللغوية المستعملة، ثم انتقل الباحث عبر التحليل لبنيات النصين إلى التأكيد على أن الرواية الأولى الصادرة سنة 2007، والتي يهيمن فيها عليها الحوار المشهدي الذي يراد له أن يكون نافذة على الداخل وناقلا لبوح أنثى معذبة بالحب، الذي من شأنه أن يعبر بالقارئ إلى أسرار الكينونة الأنثوية والعميق فيها، وأن يساهم في تطور الحدث وتعقده وتركبه وتفرعه كخاصية من خصائص الرواية، فقد جعله الحدث جامدا وتناوله سطحيا مثل حوار صحفي مبتدئ لشخصية عامة وهو ما جعله دون أي أهمية في الرواية غير التمطيط حدث واحد بسيط، أما في الرواية الثانية (رقصات) فإن السرد لعذبات امرأة قاد علي أفيلال إلى محو كل المسافات القائمة بين الإبداع ونقل الواقع وأحداثه نقلا تقريريا مباشرا، وتوقف الباحث في هذا السياق على الفرق القائم بين سرد الواقع، والإبداع باعتباره أولا خروجا عن المألوف والمتداول، وثانيا باعتباره معرفة يعيد المبدع بناء الواقع في ضوئها انطلاقا من وجهات نظر شديدة التنوع تلقي الضوء على الواقع واللاواقع الحياة وما بعدها وخلق مراكز اهتمام متباينة وسوق حبكات متوازية تقود جميعها إلى بناء ورؤيا المبدع وتصوره للظواهر والقضايا والموضوعات التي تشغل عمله، وثالثا باعتباره معرفة باللغة وأبعادها، وبخصائص الإبداع الفني وتقنياته الأسلوبية التي تقوم بدور رئيس في إبطاء الحدث ومزج ووصل العناصر المتعارضة وقابلية الترابط وربط المراحل فيما بينها، وهذا في رأي الباحث ما لا تعكسه الروايتين معا.
ويؤكد الباحث في ذات السياق على أن تناول علي افيلال لموضوعة الهجرة وهوية المهاجر ومشاكله، يبدو باهتا في الرواية لتناوله السطحي والبسيط له، إذ لم يتجاوز وصف هذه المشاكل وعرضها إلى عقد المفارقة بين الفضاء المغربي والباريسي، وبين الإنسان المغربي والغير المهاجر إليه أو إلى حياة المهاجر في المغرب وحياته بعد الهجرة كل هذه الأسئلة لم تنشغل بها الرواية وانصرفت إلى حكايات الكبت في بساطتها وابتدائيتها.
وإذا كان من معرفة في النصين يقول الباحث فاللغة باعتبارها تركيبا خاضعا للقواعد، المليئة بدورها بالأخطاء الطباعية والنحوية والتعبيرية التي تشي بعدم قراءة المبدع لنصه قبل إخراجه إلى المتلقي، والتي لا تعكس الرواية أي معرفة ولو بسيطة بأبعادها.
إن الخلل في نظر الباحث وهو ما وقف عليه في النهاية يكمن في تصور الكثير من الكتاب أن الكاتب لا يكون كاتبا إلا بمراكمته النصوص، وإلى ما صار يعرف بنقد المجاملات الذي يبتعد كثيرا عن الموضوعية التي يقتضيها تناول النص الإبداعي الذي يشكل لبنة من لبنات بناء الوعي في المجتمع والتعبير عنه، وهو ما قاد فيما يرى الباحث خلاصة غلى افتخار بعض الكتاب بكتابة ما يسميه هو دون غيره "رواية" في يومين أو في أسبوع ومشاركة بعض الكتاب ممن يحسبون على النقد الكتاب في أقل من أسبوع يشاركون به في جوائز في مجالات الثقافة والإبداع ويصدرون غدا كتابا حول التجارة الأسيوية وتقلبات المناخ في العالم وغيرها.
أما المداخلة الثالثة والتي قدمها عبد الحكيم الجابري وعنونها بــ:"غواية التجريب في ميلودة" لعلي أفيلال فقد ذهب إلى منذ البداية الإشارة إلى التشويش الذي مازال عنده بعد قراءة الرواية وهو تشويش وتساؤلات كان ينوي طرحها على الكاتب لو حضر حتى يتسنى الإجابة عليها.
- تعريف التجريب وربطه بالتجديد والاستدلال بكل من الناقدين صلاح فضل وأبو بكر العيادي في تعريفهما له، وربط التجريب بالتجديد لكن بشرط واحد هو الحفاظ على خيط دقيق يربط الكاتب بالقارئ ومن ثمة التساؤل هل حافظ علي أفيلال وهو يخوض عملية التجريب في رواية ميلودة على هذا الخيط، ثم وقف الباحث بعد ذلك على دلالة العنوان وما تحيل عليه خصوصا ارتباطها بالحكاية الشعبية لميلودة وحصر في النهاية أشكال التجريب في الرواية
* بدءا من العنوان حيث العودة إلى الموروث الثقافي لكن الإشكالية التي نصادفها لا حضور لهذه الشخصية وأفعالها إلا في آخر الرواية وإقحام قصة ميلودة بتفاصيلها بدون مناسبة أو خيط رابط بالأحداث السابقة.
*التجريب في اللغة: طغت على الرواية لغة واصفة لدرجة الابتذال في بعض الأحيان.
*التجريب في الأسلوب السردي: نص ميلودة هو نص دائري لفهمه لا بد من قراءته من آخر صفحة والعودة إلى الصفحة الأولى مع الإشارة إلى تكرار نفس الجملة عند بداية كل فصل حتى ولو تغيرت الأحداث.
في النهاية الإشارة إلى إشكالية التجريب هل كل تجديد هو محمود في ظل غياب مقومات وأدوات الكتابة الروائية فالنوايا الحسنة لا تكفي بقدر ما يطلب التمكن من الأدوات.
وقد خلص الباحث إلى أن علي أفيلال من خلال روايته
وتلى المداخلات الثلاث نقاش مستفيض حول الفرق بين الإبداع والتقرير وسرد الكلام وكتابة الرواية وما لا يحسب على الرواية، ومهمة الناقد ودوره في تفسير الإبداع وتأويله والحكم عليه شارك فيه باحثون منهم محمد بوستة ومحمد الدهبي ومحمد محي الدين ومحمد أنقار وميلود لهرمودي وباحثين آخرين.